![]() |
الاعمى والأطرش - هو يدون |
كنت أرى شفاههم تتحرك ، ولكن الصوت يتكسر أمام جدار رهيب يسد أذني ولذلك فإن أقوالهم لم تكن لتعنيني .
اعتدت ذلك ؟ لاشك فجسور الصوت التي تمتد بين الإنسان والإنسان كانت عندي مقوضة تماماً ولكن الإنسان يتعلم وكما يعتاد الميت الموت فان الأطرش يتعود الصمم .
أحيانا أقول : كما يعتاد الإنسان العيش فان الأصم يعتاد الصمت ولكن المسالة الأكيدة هي أن الأشياء أكثر تعقيدا .
اننا حين نفقد واحدة من حواسنا فإنها لا تضيع كيف أشرح ذلك الإحساس الغامض ؟ ان الصمم نوع من أنواع نوم الصوت ، الحاسة ذاتها تظل في داخل الجسد كهدير طاقة حبيسة و يكاد صوت استغاثتها أن يسمع .
منذ عشرين سنة و أنا أجلس هنا ، أناول الأكياس لصفوف لا تنتهي من اللاجئين .
منذ عشرين سنة يمتد أمام بصري هذا الصف الطويل من الرجال والنساء و الأطفال يتحركون أمامي كالأشباح ، يتدافعون بلا صوت و ترتطم الصفائح التى يحملونها ببعضها دون ان يصدر عن ذلك الإرتطام اي رنين.
و شيئًا فشيئاً أخذت أدرك أن وجودي هنا لم يكن مصادفة . فمما لا ريب فيه أن هذه الأرتال التى لا تنتهي من البشر البائسين كانوا يكيليون لي سبابًا لا يحتمل ، أنا - أمامهم - يد وكالة الغوث التى تمد لهم بالطحين والسمن والفول ، و قد يكون الطحين قليلاً أو فاسدٌا و قد تكون حبوب الفول أقل من قشوره ، و لكنني لم أكن أسمع .. كانت يداي تمتدان بالأكياس و كنت أرى شفاههم تتحرك و لكنني لم أكن لاسمع .
و عرفت يومًا بعد يوم أنهم وضعوني هنا قصدًا ، فلم يكن من الممكن لأي رجل آخر أن يحتمل ذلك الطوفان من الغضب الكسيح عشرين سنة متواصلة ، يومًا وراء يوم .
ConversionConversion EmoticonEmoticon